الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة دخل المسجد فوجد الإمام ساجدا في آخر صلاته فأحدث الإمام فقدمه: قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والاختلاف فيها، وتوجيهه في رسم باع شاة من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته ههنا. .مسألة أتي المسجد فوجد الإمام قد سبقه بركعة فأحدث الإمام فقدمه: قال محمد بن رشد: إنما اختلف قوله في وجوب الإعادة من أجل أنه صلى بإمام ما وجب عليه أن يصلي- فذا، وقد مضى ذكر ذلك والاختلاف فيه في رسم لم يدرك، ورسم إن خرجت من سماع عيسى، ويأتي في سماع موسى بن معاوية أيضا. .مسألة يصلي في بيته ثم أتي المسجد فدخل معهم فصلى ركعة ثم انتقض وضوءه: قال محمد بن رشد: قوله في المسألة الثانية إن صلاته مجزئة، خلاف ما تقدم لأشهب في أول هذا السماع، وقد مضى في رسم أسلم من سماع عيسى ذكر الخلاف في المسألتين جميعا، وتوجيه ذلك، فلا معنى لإعادته. .مسألة يكون عليه صلوات كثيرة فيذكر قبل صلاة الظهر: قال محمد بن رشد: لا اختلاف فيمن ذكر صلوات كثيرة، أنه يبدأ بما هو في وقته من الصلوات قبلها، إلا أن يدرك بعد أن يصليها- ما هو في وقته من الصلوات؛ إلا أنه اختلف في حد الوقت في ذلك، فمال ابن حبيب: إنه يبدأ بالفوائت- ما لم يفته وقت الاختيار فيما هو في وقته. وقال ابن القاسم في مختصر يحيى بن عمر: ما لم تصفر الشمس، وقال في هذه الرواية ما لم تغب الشمس، وكذلك لا اختلاف أيضا في الصلوات اليسيرة، أنه يبدأ بها- وإن فاته وقت ما هو في وقته من الصلوات؛ لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها، فليصلها كما كان يصليها في وقتها». ولا اختلاف في ست صلوات فأكثر، إنها كثير، ولا في ثلاث صلوات فأقل، إنها يسير؛ واختلف في الأربع والخمس، فقيل: إن ذلك كثير- وهو ظاهر ما في المدونة، وقيل: إن ذلك يسير- وهو قول ابن القاسم في آخر رسم سن من سماعه، وهو أظهر الأقوال، وقد مضى هناك وجهه؛ وقيل: إن الأربع يسير، والخمس كثير- وهو قول سحنون، وظاهر هذه الرواية- وبالله التوفيق. .مسألة ذكر صلوات يسيرة يخاف ذهاب وقتها: قال محمد بن رشد: إذ قد قال: إنه لا يعيدها بعد خروج الوقت، وإن ذكر الصلوات اليسيرة فيها فأحرى ألا يعيدها بعد خروج الوقت إذا ذكر الصلوات اليسيرة قبل ابتدائه بها، وقد قيل: إنه يعيدها أبدا في الوجهين جميعا، وقد فرق بينهما وهو مذهبه في المدونة، وقد تقدم ذلك في هذا السماع. .مسألة يصلي بالطائفة الأولى في الخوف ركعة من المغرب فيدخل رجل في الثانية: قال محمد بن رشد: قال: إنه لا يقضي- والإمام لم يفرغ، ولم يبين ماذا يصنع، وقد اختلف في ذلك فقيل: إنه يصلي لنفسه الثالثة كما تفعل الطائفة الأولى التي هو منها، ثم يقف عن قضاء الركعة التي فاتته حتى يسلم الإمام، وإلى هذا ذهب ابن لبابة، وهو معنى ما ذهب إليه في الرواية؛ وقيل: إنه لا يصلي شيئا فيثبت جالسا حتى يسلم الإمام، وهذا يأتي على مذهب من يرى أنه يبدأ بالقضاء قبل البناء، والقضاء لا يكون قبل سلام الإمام؛ فإذا سلم الإمام على هذا القول، قام فقضى الركعة الأولى التي فاتته بأم القرآن وسورة، فتتم له ركعتان ويبني عليهما الثالثة، وقد قيل: إنه يصلي ركعتين قبل سلام الإمام- وهو أحد قولي سحنون؛ ووجهه أنه من الطائفة الأولى، فكما يصلي الثالثة قبل سلام الإمام؛ لأنه في حكم من خرج من صلاته، فكذلك يقضي الأولى قبل سلامه، وهذا القول أظهر من جهة القياس، وقيل: إنه يقف مع الإمام ولا يصلي شيئا حتى تأتي الطائفة الثانية، فيصلي معهم ويقضي الركعة الأولى بعد سلام الإمام. وهذا القول أضعف الأقوال، لدخوله مع الطائفة الثانية- وهو من أهل الطائفة الأولى، فيصير قد صلى الركعة الثالثة بإمام- وهو إنما وجب عليه أن يصليها- فذا، وقد مضى الاختلاف في ذلك في رسم إن خرجت من سماع عيسى. .مسألة يجعل الثوب على النار لمكان القمل: قال محمد بن رشد: إنما كره أن يجعل الثوب على النار لمكان القمل، لما جاء من النهي عن المثلة، وعن أن يعذب بعذاب الله، ولما روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة». وخفف المهاميز يهمز بها الدواب من أجل أنه لا يتأتى منها في أغلب الأحوال- مما أذن الله به من تسخيرها، والانتفاع بها إلا بذلك، وقد مضى هذا لسحنون أيضا في نوازله من كتاب الوضوء. .مسألة يصلي المغرب في المسجد ويظن أن الناس قد صلوا ثم تقام الصلاة: قال محمد بن رشد: قد تقدم القول في هذه المسألة في آخر رسم نقدها من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته. .مسألة قراءة الظهر والعصر التي يسر فيها إن حرك لسانه ولم يسمع أذنيه: قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا حرك لسانه بالقراءة، فقد قرأ، وإسماعه نفسه أرفع مرتبة في قراءة السر من ألا يسمع نفسه؛ فلذلك استحب أن يسمع نفسه، كما يستحب فيما شرع فيه الجهر أن يرفع صوته؛ ولا يكتفي بأقل مما يقع عليه اسم جهر، وسيأتي في سماع موسى بن معاوية مسألة من نحو معنى هذه- إن شاء الله. .مسألة النصراني يسلم فيتوضأ ويصلي ولا يغتسل يجهل ذلك: قال محمد بن رشد: في قوله إذا كان قد جامع أو أجنب، دليل بين ظاهر على أنه لو لم يجامع ولا أجنب، لما وجب عليه غسل إذا أسلم، وإن كان رجلا قد تجاوز سن البلوغ، وهو صحيح في المعنى، مفسر لجميع الروايات في المدونة وغيرها؛ وقد روى ابن وهب عن مالك أنه لا غسل على النصراني إذا أسلم، وهو بعيد في المعنى، خارج عن الأصول والقياس، وقد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في سماع موسى بن معاوية من كتاب الوضوء. .مسألة يحرم مع الإمام إحراما واحدا معا: قال محمد بن رشد: قوله إذا أحرم مع الإمام معا أنه يجزئه، هو مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة، وقول ابن عبد الحكم؛ وقد قيل: إنه لا يجزئه، وهو قول مالك في المجموعة، وقول أصبغ، وإليه ذهب ابن حبيب- وهو الأظهر، لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا»- الحديث. إذ الفاء توجب التعقيب، فإذا لم يتقدمه الإمام بالابتداء بالتكبير للإحرام، فلم يأتم به؛ وهذا الاختلاف إنما هو إذا ابتدأ تكبيرة الإحرام معه معا، فأتمها معه أو بعده؛ وأما إن ابتدأ بها قبله فلا تجزئه، وإن أتمها قبله قولا واحدا؛ وإن ابتدأ بها بعده فأتمها معه أو بعده، أجزأه قولا واحدا؛ والاختيار ألا يحرم المأموم إلا بعد أن يسكت الإمام- قاله مالك، فإن أحرم معه معا، كان الاختيار له أن يعيد الإحرام، فإن لم يفعل، دخل في الاختلاف المذكور، وحكم السلام في ذلك على المذهب حكم الإحرام، يجري على التفصيل الذي ذكرناه؛ لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «تحريم الصلاة التكبير، وتحليلها التسليم». فكما لا يجوز أن يحرم بالصلاة قبل إمامه، فكذلك لا يجوز أن يتحلل منها قبله، خلافا لمن لا يوجب السلام من أهل العراق. .مسألة يجعل في بيته محرابا حنيته مثل حنية المسجد: قال محمد بن رشد: أما جواز الفعل، فلا إشكال فيه، ولا وجه للسؤال عنه؛ وإنما موضع السؤال إذا فعل ذلك، هل يتحرم المحراب بحرمة المسجد، ويرتفع ملكه عنه أم لا؟ إذ من أهل العراق من ذهب إلى أنه من بنى في داره مسجدا، وخلى بين الناس وبينه حتى صلوا فيه صلاة واحدة، أنه يتحرم بذلك بحرمة المسجد، ويرتفع ملكه عنه؛ واحتج على من ذهب إلى أنه لا يتحرم بحرمة المسجد إذا كان في دار يغلق بابها عليه، ويحول بين الناس وبينه في حال ما،- بما روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أمر بالمساجد أن تبنى في الدور وتطيب»، أو كما قال. وهذا لا حجة فيه، لاحتمال أن يكون أراد خلال الدور، لا داخلها؛ لأن الدور المجتمعة لقوم تسمى دارا، قال تعالى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ} [هود: 65]. ومنه الحديث: «خير دور الأنصار دار بني النجار، ثم دار بني عبد الأشهل، ثم دار بلحرث، ثم دار بني ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير». قال: هذا بعض من تكلم على معنى الحديث، والذي أقول به على ظاهره: أن من بنى مسجدا في داره أو محرابا للصلاة، فإنه يتحرم بحرمة المسجد في أن ينزه بما تنزه عنه المساجد، دون أن يرتفع ملكه عنه، ما لم يخرجه من غلق داره- وبالله التوفيق. .مسألة يتبخر بلحوم السباع: قال محمد بن رشد: حكم دخان لحوم الميتة حكم رمادها؛ لأنه جسمها استحال إلى الدخان بالنار، كما استحال به إلى الرماد؛ والاختلاف في طهارة ذلك، جار على الاختلاف في طهارة جلد الميتة المدبوغ؛ لأنه استحال بالدباغ عن صفة الميت الذي يتغير بالبقاء إلى صفة المتاع الذي لا يتغير به؛ ولذلك كره أن يتبخر بها إذا كان دخانها يعلق بالثياب؛ لأنه جسم الميتة المستحيل بالنار، والأظهر فيه من طريق القياس الطهارة؛ لأن الجسم الواحد تتغير أحكامه بتغيير صفاته، ألا ترى أن العصير طاهر، فإذا تغير إلى صفة الخمر، حرم ونجس؛ ثم إذا تغير إلى صفة الخل، حل وطهر؟ وهذا بين، وأما إجازته التبخير بلحوم السباع- إذا كانت ذكية، فهو مثل ما في المدونة من إجازة ذكاتها لجلودها. وفي ذلك اختلاف، وقد قال في سماع أشهب من كتاب الضحايا: إن الذكاة لا تعمل إلا فيما يؤكل لحمه. .مسألة المسافر يؤم المسافرين والمقيمين فيصلي بهم ركعة فيحدث: قال محمد بن رشد: تعليله لإيجاب الإعادة أبدا على المقيمين والمسافرين جميعا، بأنه لا يكون في صلاة واحدة إمامان ليس ببين، وإنما العلة في إيجاب الإعادة على المسافرين أبدا، أنهم أتموا على خلاف ما أحرموا عليه من نية التقصير، وقد مضى في رسم إن خرجت من سماع عيسى، أنه لا إعادة عليهم إلا في الوقت، ومضى تحصيل الاختلاف في إتمام المسافر في أول سماع ابن القاسم؛ والعلة في إيجاب الإعادة أبدا على المقيمين، أنهم صلوا بإمام ما وجب عليهم أن يصلوه- فذا، وقد مضى الكلام على هذا المعنى في رسم لم يدرك وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى، ويأتي أيضا في سماع موسى بن معاوية- وبالله التوفيق. .مسألة مسافرا صلى بمقيمين ومسافرين فتعمد الصلاة بهم أربعا: قال محمد بن رشد: أما قوله في المسافرين إنهم إن كانوا تعمدوا بتعمده ونووا ذلك من أول، كانوا مثله؛ فصحيح لا اختلاف فيه. وأما قوله وإن كانوا نووا في أول ما عليهم ركعتين، فلما تمادى الإمام تمادوا معه، فأرى عليهم الإعادة في الوقت وبعده؛ فهو مثل ما تقدم له في المسألة التي قبل هذه؛ لأنه أتم على إحرامه بنية القصر. وأما قوله: وإن كانوا سهوا فتمادوا معه، فيحتمل أن يكون الكلام لا جواب له؛ ويحتمل أن يكون جوابه جواب المسألة التي قبلها لعطفها عليها، وهو أن عليهم الإعادة في الوقت وبعده، فإن كان الكلام لا جواب له، فالجواب فيه على تعليل قوله في إيجاب الإعادة على المقيمين أبدا بأنه إن كان ساهيا، فإنما عليه سجود سهو أن يسجدوا لسهوهم وتجزئهم صلاتهم، وإن كان جوابه جواب المسألة التي عطفها عليها، أن عليهم الإعادة في الوقت وبعده، فقد تناقض قوله في المسألة، وقال بخلاف تعليله فيها، والقولان معلومان لابن القاسم فيمن زاد في صلاته مثل نصفها- ساهيا، وقد مضى توجيهها جميعا في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى. وقوله: ولا يجوز لهم أن يجتزئوا في الفريضة بنافلة الإمام، يريد بما صلى على طريق السهو، صحيح على أصله في أن من صلى خامسة سهوا، ثم ذكر سجدة من أول صلاته، أنه يأتي بركعة ولا يعتد بما صلى على السهو، وعلى ما ذهب إليه ابن نافع، وابن الماجشون، وسحنون، واختاره ابن المواز، أنه يعتد بما صلى على السهو، ينبغي أن يعتد المقيمون بالركعتين اللتين صلاهما بهم المسافر- ساهيا، وهو منصوص لابن كنانة. وأما قوله: وإن كان غير ساه، فقد تعمد فسادها عليهم؛ لأن ذلك لا يجزئه في الوقت، فهو تعليل غير صحيح؛ لأنه إذا لم يجب على الإمام الإعادة بما تعمد من فسادها إلا في الوقت، فأحرى ألا يجب ذلك عليهم، إلا في الوقت، وهو قول مالك في رسم الصلاة الأول من سماع أشهب في بعض الروايات: أنهم يعيدون في الوقت كالإمام، وإنما العلة في أنهم يعيدون في الوقت وبعده، أنهم صلوا بإمام ما يجب عليهم أن يصلوه- فذا، وقد قيل: إنه لا إعادة عليهم في الوقت ولا غيره على الاختلاف في هذا الأصل، وقد مضى ذلك في المسألة التي قبل هذه. .مسألة يصلي مع الإمام في رمضان إشفاعا ثم ينقلب ويرجع فيجد الإمام في الوتر: قال محمد بن رشد: قد مضى لابن القاسم مثل هذا في رسم لم يدرك من سماع عيسى، وزاد فيه أن الإمام إن كان ممن لا يسلم، أضاف إليها ركعتين بغير سلام، ومضى في آخر الرسم الأول من سماع أشهب خلافه، فتدبر الكلام على ذلك في الموضعين، فقد مضى فيهما مستوعبا. .مسألة الإمام يصلي من صلاة الخوف ركعة ثم ينكشف الخوف: قال محمد بن رشد: لا معنى لما كره من ذلك، والقول الذي رجع إليه هو الصواب؛ لأن الطائفة الثانية في دخولهم مع الإمام في الركعة الثانية إذا انكشف الخوف، كمن فاته بعض صلاة الإمام في غير خوف، وإنما الذي لا يجوز أن يصلي رجل من الطائفة الأولى الركعة الثانية مع الإمام إذا صلاها بالطائفة الثانية مع تمادي الخوف، فإن فعل ذلك، جرى على الاختلاف فيمن صلى بإمام ما وجب عليه أن يصليه- فذا، فاشتبهت عليه المسألتان- والله أعلم. .مسألة الإمام سها عن القراءة حتى ركع: قال محمد بن رشد: لابن القاسم في كتاب ابن المواز أنه يقطع، وقال أصبغ: إنه يتمادى ويعيد، وقد مضى القول على هذه المسألة مجودا في رسم أوصى أن ينفق من سماع عيسى، فقف عليه هناك- وبالله التوفيق. .مسألة يعطس وهو يبول أو وهو على حاجته أيحمد الله: قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن عباس أنه قال: يكره أن يذكر الله على حالتين على خلائه وهو يواقع أهله؛ والدليل لقول ابن القاسم من جهة الأثر، ما روي من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كان إذا دخل الخلاء، قال: أعوذ بك من الخبث والخبائث». وما روي عن عائشة أنها قالت: «كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الله في كل أحيانه». ومن طريق النظر، أن ذكر الله يصعد إلى الله، فلا يتعلق به من دناءة الموضع شيء. قال الله عز وجل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].- فلا ينبغي أن يمتنع من ذكر الله على حال من الأحوال، إلا بنص ليس فيه احتمال، ومن ذهب إلى ما روي عن ابن عباس، تأول ما روي من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كان إذا دخل الخلاء، قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث».- على أن معنى ذلك، كان إذا أراد أن يدخل الخلاء، وأظن ذلك يوجد في بعض الآثار، وإن ثبت ذلك، فأكثر ما فيه ارتفاع النص في جواز ذكر الله على تلك الحال، لا المنع من ذلك؛ وإذا لم يثبت الحظر والمنع في ذلك، وجب أن يكون مطلقا على الأصل في جواز الذكر عموما، وما روي من «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر عليه رجل- وهو يبول فسلم عليه، فقال: إذا رأيتني على هذه الحال، فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت لم أرد عليك»، لا دليل فيه على أن ذكر الله لا يجوز على تلك الحال؛ إذ قد يحتمل أن يكون صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك رد السلام على من سلم عليه في تلك الحال- بعد أن نهاه عن ذلك- أدبا منه له على مخالفته نهيه؛ لكونه على تلك الحال، أو لكونه على غير طهارة على ما كان عليه في أول الإسلام من أنه لا يذكر الله إلا على طهارة، حتى نسخ ذلك- على ما روي بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6]- الآية. .مسألة نسي صلاة ولم يذكرها حتى صلى الجمعة مع الإمام: قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها- موعبا- في رسم القطعان من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته. .مسألة يصلي بالماء الذي ولغ فيه الكلب: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المكروه ما تركه أفضل، ولا إثم فيه ولا حرج؛ فإذا افتتح الصلاة بشيء من ذلك جهلا ثم علم به بعد دخوله فيها، لم ينبغ له أن يقطعها، لقوله عز وجل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]. .مسألة يقول في تكبيرة الإحرام الله أعظم الله أعز: قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو أمر متفق عليه في مذهب مالك: أنه لا يجزئ في الإحرام إلا الله أكبر؛ لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- «تحريم الصلاة التكبير»؛ ولقوله «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا». ولفظ التكبير إذا أطلق لا يقع على ما سوى الله أكبر مع الإجماع على العمل بذلك، دون خلاف يؤثر فيه منذ زمن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إلى اليوم؛ فلا يجزئ الإحرام بغير لفظ التكبير، ولا بالتكبير على خلاف صفة الله أكبر؛ خلافا لأبي حنيفة في الوجهين، وللشافعي في قوله: إنه يجوز في الإحرام الله أكبر، فخالفا الإجماع المنعقد قبلهما- إلى غير قياس صحيح، أما أبو حنيفة فساوى في الإحرام بين التكبير، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، ومعانيها مفترقة؛ ألا ترى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من سبح دبر كل صلاة- ثلاثا وثلاثين، وكبر ثلاثا وثلاثين، وحمد ثلاثا وثلاثين، وختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، غفرت ذنوبه- ولو كانت مثل زبد البحر». فلو كانت معانيها متفقة، لقال من سبح دبر كل صلاة، أو كبر، أو هلل، أو حمد، مائة، غفرت ذنوبه- ولو كانت مثل زبد البحر. وأما الشافعي فساوى في التكبير بين الله أكبر، والله الأكبر، وأجاز الإحرام بكل واحد منهما، ولم يجز فيه الله الكبير، فجمع بين الله أكبر، والله الأكبر- وإن كانت معانيها مفترقة؛ لأن الله أكبر أبلغ في المدح من قولك: الله الأكبر؛ لأنه أجل في القصد إلى الوصف بأنه أكبر من غيره؛ لأن الله أكبر جملة تامة- ابتداء وخبر مفيدة بأن الله أكبر مما سواه، لا يحتمل الكلام غير ذلك؛ والله الأكبر، يحتمل أن يريد قائله به الله هو الأكبر، فيكون قد قصد بكلامه إلى الإخبار بأن الله أكبر مما سواه، كقوله الله أكبر- سواء؛ ويحتمل ألا يريد به ذلك، فيجعل الأكبر صفة الله، ويضمر الخبر فيكون إنما قصد إلى استشعار الخبر الذي أضمره، لا إلى أن الله أكبر من غيره؛ وإن كانت الصفة دالة على ذلك، مثل أن يريد الله الأكبر هو الذي هداني إلى الإسلام، ووفقني لفعل الصلاة؛ وليس ما يقتضيه الكلام مما لم يقصد إليه كمثل ما قصد إليه؛ ووجه ما ذهب إليه الشافعي أن بناء الله الأكبر كبناء الله أكبر- سواء، إلا أن الألف واللام زيدت للتعظيم، فكان ذلك بخلاف الله أكبر، لاختلاف البناء والمعنى جميعا؛ لأن الله أكبر، أبلغ في المدح من الله الكبير، وهذا كله بين. وقوله: إنه لا يجزئ من السلام إلا السلام عليكم، هو مثل ما في المدونة، وقد وقع في أول رسم من سماع أشهب في بعض الروايات: يقول سلام عليكم، سلام عليكم- دون معرف بالألف واللام، وذلك خلاف لقول سحنون هذا، ولما في المدونة.
|